Wednesday, September 27, 2006

Tuesday, September 26, 2006

وفاق وطني

Quote of the Day

"You know, one of the hardest parts of my job is trying to connect Iraq to
the War on Terror." -- Bush interview with CBS on Sept 6th.

Friday, September 15, 2006

بدّي شي حمار يواسيني

في شي خمسة ستّة يمكن سبعة من بيت آل الجميّل من منتخب اليمين اللبناني تمكّنو على مدة شي ستّين، سبعين، يمكن تمانين سنة وعلى التوالي من إحراز لقب بطيز لقب في الدور اللبناني للقطارات

ليش قطارات؟
لأنه القطار إلو قاطرة ومقطورة، ولأنه بيمشي على سكة واحدة وما بزيح عنّا لا بالحلال ولا بالحرام، ولا بيقتنع إنو يزيح، وإذا إقتنع أصلاً ما في يزيح. وما بهمّو إذا قطعت سكته بأرض شي مزارع، أو بيت شي مواطن، أو جبل شي سهل، ولا بتفرق معو إذا سكته خبصت شي قطيع زو معس شي كم ألف طفل. ولأنه في أوقات غير قطارات على ذات السكّة، وأحيانا بالإتجاه المعاكس، ما في مهرب يا أبو الحبايب من تصادم قطارين أو يمكن أكتر كمان

ما أصلاً إللي ما غص بالقطيع، ولا بالسهل، ولا بالجبل، ولا بالألف طفل، ما رح يغص بشي تران متلو

ويسرّني أن أزف لحضراتكم أنه بالموسم القادم المنافسة على لقب أكبر تران لبناني حامية لغاية، يمكن يروح فيها أبريا، تتضمّن شي تلات ترانات على الأقل من آل الجمّيل، معهم وليد بك تران، والجنرال ترينين، وحسن أكبر تران، وتران السعد وسمير "تغان" جعجع

أمّا في الدوري السوري، فيحتفظ التران الكبير، قاطر الأمّة وأسطورة الفحم الحجري، بشّار الطبل باللقب منذ أن تسلّمه عن أبوه التران الأكبر

وفي كأس العالم للترانات يبقى التحدّي الأبرز بين التران نجاد وبوش التران بمشاركة أساطيل ترانات عرب وأجانب

وبصراحة... وبلا لف ودوران، إللي بدّي أوصلّو، إنه السكّة تبع كل هل الترانات المحلّية والإقليميّة والعالميّة هيّ ذاتة... سكّة وحدة لشي ألف تران، ومساقبي إنّي أنا تحتها، وإجري مربوطة فييا، فيا ريت شي حمار بيحملني عَ ضهره، وبياخذني على القليلة في يمشي بلا سكّة، مع إنّو حمار

وبعد مصر؟

شُطب في دوائر أمنيّة ورقابة مقاطعاً وأسطراً وصفحات من سيرتي الذاتيّة واستبدلت بقصة صغيرة سخيفة عن سائح لبناني ذهب إلى مصر. وضاعت تلك المقاطع والصفحات في لهيب القنابل الفوسفورية، ومُزّقت وتفككت الكلمات بملايين القنابل العنقوديّة. فلم أجد ما يستبدلها سوى بعض الحكايات روتها صامدة صغيرة عن جزء منّي عرفته للمرّة الأولى حين دمدمته بين شفتيها.
الحكايات في عقلي وليست لي... كالسرطان
سرطان في الدماغ. يتفشّى بين الذكريات والصور واللغة والمسلّمات والأحلام والأمنيات ليُقعدها هزيلة، ويطيحها ويعطّلها ويحلّها ويُسقطها شهيدة القصّة السرطانية. والقصّة ليست لي

Sunday, September 03, 2006

أوتيل صح النوم

أوتيل صح النوم



من جريدة النهار بتاريخ 3 ليلول 2006:

نواب ناموا في البرلمان وطمأنة دولية الى قرب رفع الحصار

...ووفق برنامج الاعتصام الذي يتضمن ان ينام يوميا 10 نواب، امضى الرئيسان بري والسنيورة (معاً في جناح واحد) ليلتهما في البرلمان ومعهم الوزيران مروان حماده وجان اوغاسابيان والنواب بطرس حرب واكرم شهيب وهنري حلو وجورج عدوان وابراهيم كنعان وبيار دكاش وعاطف مجدلاني وعبد الله فرحات ونوار الساحلي. ولوحظ ان كنعان من "كتلت الاصلاح والتغيير" وعدوان من كتلة "القوات اللبنانية" امضيا ليلتهما في جناح واحد.

(انّو حدن عم يتخايل يفيق الصبح ويطلعلو نايلو معوض بعد ما مشّطت شعرها وبالبيجاما!)

العُهر

اذا بتاخذ كل شي بالمزح، بيصيرو العالم يقولو عنّك كركوز. واذا بتاخذ كل شي بالجَدّ، ايه بيقولو عنَّك نِكِد.

كتير منيح.

ما يلي كونوا اكيدين انّو لا مزح ولا تنكيت، واذا حدن تَنَكَّد ايه بيكون احسن.

العُهر

بقلم سمير طربيه


شو هو العُهر؟

العُهر بشكل اساسي هو كل شي ناتج عن الجزء الاجتماعي من نفسية الانسان وتمّ خلطه مع نظرّيات سياسية وافكار من القرون الوسطى او عصر الانوار (enlightenment).

يعني مثلاً بن لادن عُهر. جورج بوش ونادي الأخلاق الحميدة (بأعضائه طوني بلاير وجاك شيراك وانجيلا ميركل وغيرهم...) كمان عُهر. القيّم الغربية من ديمقراطية وليبرالية والوقوف بالصّف والأكل بلا خبز والحكي على صوت واطي وبلا انفعال وشوبَرة، ايه هيدا عُهر. المظاهرات "الحضارية" مع رقص وحشيشة ومطالبة بالسلام العالمي والحب والغرام كمان اذا بتفكّر فيها عُهر.

لبنانيو الاغتراب في عواصم اوروبا ومدن امريكا الشمالية والجنوبية وفي افريقيا وبالخليج العربي، هول عُهر وبزيادة مؤامرات.

الدوري الانكليزي كتير عُهر.

اوبرا وينفري عُهر.

نظرية نشؤ الأمم عُهر.

صراع الحضارات نوع من تصادم عدّة انواع من العُهر.

البكاء تأثراً بموت فقمة أو لأنّو طوم هانكس طلع معو سرطان بآخر الفيلم أكيد أكيد عُهر (البكاء على الأطلال على فكرة مش عُهر. هيدا شي حلو).

الموضة: عُهر.

ايران: عُهر بألوان فاقعة.

القطاع المصرفي: عُهر مع فائدة.

الدعايات: عُهر.

الصّيد في الماء العَكِر: اكيد عُهر لأنّو اصلاً ما في شي بالماء العَكِر يا اخو الشرموطة!

طيّب. كتير منيح. شو اللي منّو عهر؟

الأكل.

 الأكل مش عهر. بس انتباه! الانسان الجوعان وبدّو يأكل مش يعني انّو والله جوعان جايي عبالي فخد بطّة مع صلصة الخوخ وثلاث حبّات بازيلّلأ راكبين على جزرة... لا لا لا عبّاس. جوعان يعني شي ربطة خبز وعلبة مرتديلا زوان، أو شي ربطة خبز ومرطبان زيتون، أو ربطة خبز مع شو ما كان بسّ حتّى ما نغصّ عالخبز الحاف...

♠    ♠    ♠

الى كلّ شخص شَعَر انّو هيدا النّص سخيف و"كليشيه" ويخلو من الجماليات الأدبية (مع انّو اكيد الجميع ضدّ الجوع وما بدّن حدن يكون جوعان لأنّو حرام وحق كل انسان يعيش والخ الخ الخ) الى كل هيك شخص: بلا عُهر.

Pit Stop

An Israeli, on his way to "The Promised Land", recently arrives at London's
Heathrow airport.

As he fills out a form, the customs officer asks him: "Occupation?"

The Israeli promptly replies: "No, just visiting!"

Friday, August 18, 2006

يوميّات النيل

١٨ أغسطس ٢٠٠٦

الساعة ٢:٣٧ صباحاً

يتلفّظ النيل في الظلام بكلمات، ما كان ليجرؤ على النطق بها في وضح النهار. يتموّه وراء قناعٍ نوبي حالك السواد، تتموّج فوق بشرته الهادئة خطوط عريضة برّاقة، لتتصل ضفافه بخيوط من الحرير.
وفي غرفة الجلوس في عمارة السعوديّة، ١٨٠ شارع النيل، العجوزة، تقف الملايين، لا بل المليارات من حبائب الغبار وجزيئيّات الأدخنة على لوح زجاج (٢*٣ أمتار) يأخذ مهمّة شباك، تحجب عنّي بريق الخيوط، خيوط الحرير على جلّابيّة النيل.
وتحجب جزيئيات القلق عن إدراكي أربع أسابيع مرّت منذ أقلعت قدماي عن أرض المصنع، كما تمرُّ عشرات القوارب وراء لوح الزجاج، تتنزّه فوق الخيوط الحريريّة، فتتقطّع الخيوط لتعود وتلتحم.

يتلفظ النيل في الظلام بهمساتٍ تقلقني، همسات ما كنت لأسمعها في ضوضاء النور. يقول أنه سأمني، يقول أنني أطلت البقاء إلى جانبه، وأن رائحتي باتت تزعجه. يقولها بصوت خافت ولكن بحزم: حان وقت الرحيل.
ووقت الرحيل هو وقت العودة.

Thursday, August 17, 2006

يوميّات محمـود درويـش


















البنت/الصرخة

على شاطئ البحر بنتٌ، وللبنت أهلٌ
وللأهل بيتٌ. وللبيت نافذتانِ وبابْ...
وفي البحر بارجةٌ تتسَلَّى بِصَيْدِ المُشَاةِ
على شاطئ البحر: أربعةٌ، خمسةٌ، سبعةٌ
يسقطون على الرمل. والبنتُ تنجو قليلاً
لأنَّ يداً من ضبابْ
يداً ما إلهيَّةً أسْعَفَتْها. فنادتْ: أبي
يا أبي! قُمْ لنرجع، فالبحر ليس لأمثالنا!
لم يُجِبْها أَبوها المُسَجَّى على ظلِّهِ
في مهبِّ الغِيابْ
دَمٌ في النخيل، دَمٌ في السحابْ
يطير بها الصوتُ أعلى وأَبعدَ من
شاطئ البحر. تصرخ في ليل بَرّية،
لا صدى للصدى.
فتصير هي الصَرْخَةَ الأبديَّةَ في خَبَرٍ
عاجل لم يعد خبراً عاجلاً عندما
عادت الطائرات لتقصف بيتاً بنافذتين وبابْ!.









ذباب أخضر

المشهد هُوَ هُوَ. صَيْفٌ وَعَرَقٌ. وخيالٌ يعجز عن رؤية ما وراء الأفق. واليوم أفضلُ من الغد. لكنّ القتلى هم الذين يتجدّدون. يُولَدون كل يوم. وحين يحاولون النوم يأخذهم القَتْلُ من نعاسهم إلى نوم بلا أحلام. لا قيمة للعدد. ولا أحد منهم يطلب عوناً من أحد. أصوات تبحث عن كلمات في البرية، فيعود الصدى واضحاً جارحاً: لا أحد. لكنّ ثَمَّةَ مَنْ يقول: "من حقِّ القاتل أن يدافع عن غريزة القتل". أمَّا القتلى فيقولون متأخرين: "من حقِّ الضحية أن تدافع عن حقِّها في الصراخ". يعلو الأذانُ صاعداً من وقت الصلاة إلى جنازات متشابهة: توابيتُ مرفوعةٌ على عَجَلٍ، تُدْفَنُ على عجل... إذ لا وقت لإكمال الطقوس، فإن قتلى آخرين قادمون، مسرعين، من غارات أخرى. قادمون فرادى أو جماعات... أو عائلةً واحدةً لا تترك وراءها أيتاماً وثكالى. السماء رماديّةٌ رصاصيَّة. والبحر رماديٌّ أزرق. أمَّا لون الدم فقد حَجَبَتْهُ عن الكاميرا أسرابٌ من ذباب أخضر!.



كقصيدة نثرية

صَيْفٌ خريفيٌّ على التلال كقصيدةٍ نثرية. النسيمُ إيقاعٌ خفيفٌ أُحسّ به ولا أسمعه في تواضع الشجيرات. والعشب المائل إلى الاصفرار صُوَرٌ تتقشَّف، وتُغْري البلاغةَ بالتشبُّه بأفعالها الماكرة. لا احتفاء على هذه الشعاب إلاَّ بالمتاح من نشاط الدُوريِّ، نشاط يراوح بين معنىً وعَبَث. والطبيعة جسد يتخفّف من البهرجة والزينة، ريثما ينضج التين والعنب والرُمَّان ونسيانُ شهواتٍ يوقظها المطر. "لولا حاجتي الغامضة إلى الشعر لما كُنْتُ في حاجة إلى شيء" يقول الشاعر الذي خفَّتْ حماستُهُ فقلَّتْ أخطاؤه. ويمشي، لأن الأطباء نصحوه بالمشي بلا هدف لتمرين القلب على لامبالاةٍ ما ضروريّةٍ للعافية. وإذا هَجَسَ، فليس بأكثرَ من خاطرةٍ مجانيّة. الصيف لا يصلح للإنشاد إلاّ فيما ندر. الصيف قصيدةٌ نثرية لا تكترث بالنسور المحلقة في الأعالي.

ليتني حجر
لا أحنُّ إلى أيِّ شيء
فلا أمسِ يمضي، ولا الغَدُ يأتي
ولا حاضري يتقدَّمُ أو يتراجعُ
لا شيءَ يحدُثُ لي!
ليتني حجرٌ ـ قُلْتُ ـ يا ليتني
حَجَرٌ ما ليصقلني الماءُ
أَخضرٌّ، أَصفرُّ... أوضعُ في حجرةٍ
مثل مَنْحُوتةٍ، أو تمارين في النحتِ،
أو مادّةً لانبثاق الضروريِّ
من عَبَث اللاضروريّ...
يا ليتني حَجَرٌ
كي أحنَّ إلى أيّ شيء!


أبعد من التماهي

أجْلِسُ أمام التلفزيون، إذ ليس في وسعي أن أَفعل شيئاً آخر. هناك، أمام التلفزيون، أَعثر على عواطفي. وأرى ما يحدث بي ولي. الدخانُ يتصاعد مني، وأَمدُّ يدي المقطوعةَ لأمسك بأعضائي المبعثرة من جسوم عديدة، فلا أجدها ولا أهرب منها من فرط جاذبيّة الألم. أنا المحاصر من البرّ والجو والبحر واللغة. أقلعتْ آخرُ طائرةٍ من مطار بيروت، ووَضَعَتْني أمام التلفزيون، لأرى بقيَّة موتي مع ملايين المشاهدين. لا شيء يثبت أني موجود حين أفكّر مع ديكارت، بل حين ينهض مني القربانُ، الآن، في لبنان. أدخل في التلفزيون، أنا والوحش. أَعلم أن الوحش أقوى مني في صراع الطائرة مع الطائر. ولكني أَدْمَنْتُ، ربما أكثر مما ينبغي، بُطُولَةَ المجاز: التَهَمني الوحش ولم يهضمني. وخرجتُ سالماً أكثر من مرة. كانت روحي التي طارت شعاعاً مني ومن بطن الوحش تسكن جسداً آخر أَخفَّ وأَقوى. لكني لا أعرف أين أنا الآن: أمام التلفزيون، أم في التلفزيون. أما القلب فإني أراه يتدحرج، ككوز صنوبر، من جبل لبناني إلى غزة!.







العدو

كُنْتُ هناك قبل شهر. كُنْتُ هناك قبل سنة. وكنت هناك دائماً كأني لم أكن إلاّ هناك. وفي عام 82 من القرن الماضي حدث لنا شيء مما يحدث لنا الآن. حُوصِرْنا وقُتِلْنا وقاومنا ما يُعْرَضُ علينا من جهنم. القتلى/ الشهداء لا يتشابهون. لكلِّ واحدٍ منهم قوامٌ خاص، وملامحُ خاصة، وعينان واسمٌ وعُمْرٌ مختلف. لكن القتلة هم الذين يتشابهون. فهم واحد مُوَزَّع على أَجهزة معدنية. يضغط على أزرار الكترونية. يقتل ويختفي. يرانا ولا نراه، لا لأنه شَبَحٌ بل لأنه قناعٌ فولاذيٌّ لفكرة... لا ملامحَ له ولا عينان ولا عمر ولا اسم. هو... هو الذي اختار أن يكون له اسم وحيد: العَدُوّ.









نيرون

ماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرّج على حريق لبنان؟ عيناه زائغتان من النشوة، ويمشي كالراقص في حفلة عرس: هذا الجنون، جنوني، سيّد الحكمة، فلتشعلوا النار في كل شيء خارج طاعتي... وعلى الأطفال أن يتأدبوا ويتهذبوا ويكفوا عن الصراخ بحضرة أنغامي!
وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرّج على حريق العراق؟ يسعده أن يوقظ في تاريخ الغابات ذاكرة تحفظ اسمه عدواً لحمورابي وجلجامش وأبي نواس: شريعتي هي أُمُّ الشرائع. وعشبةُ الخلود تنمو في مزرعتي. والشعر، ما معنى هذه الكلمة؟
وماذا يدور في بال نيرون، وهو يتفرّج على حريق فلسطين؟ يبهجه أن يدرج اسمه في قائمة الأنبياء نبيّاً لم يؤمن به أحدٌ من قبل. نبيّاً للقتل كَلفَهُ اللهُ بتصحيح الأخطاء التي لا حصر لها في الكتب السماوية: "أنا أيضاً كليم الله!"
وماذا يدور في بال نيرون وهو يتفرّج على حريق العالم؟ "أنا صاحب القيامة". ثم يطلب من الكاميرا وقف التصوير، لأنه لا يريد لأحد أن يرى النار المشتعلة في أصابعه في نهاية هذا الفيلم الأميركي الطويل!.




الغابة

لا أسْمَعُ صوتي في الغابةِ، حتى لو
خَلَتِ الغابةُ من جوع الوحش... وعاد
الجيشُ المهزومُ أو الظافرُ، لا فرق، على
أشلاء الموتى المجهولين إلى الثكنات أو
العرش/
ولا أسمع صوتي في الغابة، حتى لو
حَمَلَتْهُ الرِيح إليّ، وقالت لي:
/!"هذا صوتك"... لا أسمعه
لا أسمع صوتي في الغابة حتى
لو وَقَفَ الذئبُ على قدمين وَصفَّقَ
لي: إني أسمع صوتك، فلتَأْمُرْني/!
فأقول: الغابةُ ليست في الغابة،
يا أبتي الذئبَ ويا ابني/!
لا أسمع صوتي إلاّ إن خَلَتِ
الغابةُ مني، وخلوتُ أنا من
صمت الغابة!


حمام

رفٌ من الحمام ينقشع فجأة من خلل الدخان. يلمع كبارقةِ سلْمٍ سماوية. يحلِّق بين الرماديّ وفُتَات الأزرق على مدينة من ركام. ويذكّرنا بأنَّ الجمال ما زال موجوداً، وبأنَّ اللاموجود لا يعبث بنا تماماً إذ يَعِدُنا، أو نظنُّ أنه يَعِدُنا بتجلِّي اختلافه عن العدم. في الحرب لا يشعر أحد منا بأنه مات إذا أَحس بالألم. الموت يسبق الألم، الألم هو النعمة الوحيدة في الحرب. ينتقل من حَيٍّ إلى حَيّ مع وقف التنفيذ. وإذا حالف الحظُّ أحداً نسي مشاريعه البعيدة وانتظر اللاموجود وقد وُجد محلِّقاً في رفّ حمام. أرى في سماء لبنان كثيراً من الحمام العابث بدخان يتصاعد من جهة العدم!


البيت قتيلاً

بدقيقةٍ واحدة، تنتهي حياةُ بيت كاملة. البيت قتيلاً هو أيضاً قَتْلٌ جماعيٌّ حتى لو خلا من سكانه. مقبرةٌ جماعيَّةٌ للمواد الأولية المُعَدَّةِ لبناء مبنى للمعنى، أو قصيدةٍ غير ذاتِ شأْنٍ في زمن الحرب. البيت قتيلاً هو بَتْرُ الأشياء عن علاقاتها وعن أسماء المشاعر، وحاجَةُ التراجيديا إلى تصويب البلاغة نحو التبصُّر في حياة الشيء. في كل شيء كائنٌ يتوجّع... ذكرى أصابع وذكرى رائحة وذكرى صورة. والبيوت تُقْتَلُ كما يقتل سكانها. وتُقْتَلُ ذاكرة الأشياء: الحجر والخشب والزجاج والحديد والاسمنت تتناثر أشلاء كالكائنات. والقطن والحرير والكتان والدفاتر والكتب تتمزق كالكلمات التي لم يتسنّ لأصحابها أن يقولوها. وتنكسر الصحون والملاعق والألعاب والأسطوانات والحنفيات والأنابيب ومقابض الأبواب والثلاَّجة والغسّالة والمزهريات ومرطبانات الزيتون والمخللات والمعلبات كما انكسر أصحابها. ويُسحق الأبيضان الملح والسكر والبهارات وعلب الكبريت وأقراص الدواء وحبوب منع الحمل/ والعقاقِير المنشطة وجدائل الثوم والبصل والبندورة والبامية المجففة والأَرُزُّ والعدس كما يحدث لأصحابها. وتتمزق عقود الإيجار ووثيقة الزواج وشهادة الميلاد وفاتورة الماء والكهرباء وبطاقات الهوية وجوازات السفر والرسائل الغرامية كما تتمزّق قلوب أصحابها. وتتطاير الصور وفُرَشُ الأسنان وأمشاط الشَعْر وأدوات الزينة والأحذية والثياب الداخلية والشراشف والمناشف كأسرار عائلية تُنْشَرُ على الملأ والخراب. كل هذه الأشياء ذاكرة الناس التي أفرغت من الأشياء، وذاكرة الأشياء التي أفرغت من الناس... تنتهي بدقيقة واحدة. إن أشياءنا تموت مثلنا، لكنها لا تدفن معنا!


مكر المجاز

مجازاً أقول: انتصرتُ
مجازاً أقول: خسرتُ...
ويمتد وادٍ سحيقٌ أمامي
وأَمتدّ في ما تبقّى من السنديانْ
وثمّة زيتونتانْ
تلُمَانني من جهاتٍ ثلاثٍ
ويحملني طائرانْ
إلى الجهة الخاليةْ
من الأوج والهاويةْ
لئلا أقول: انتصرتُ
لئلا أقول: خسرتُ الرهان!


عملية تسلل

اليوم، في السادس والعشرين من تموز، تمكن واحد وعشرون قتيلاً/ شهيداً في غزة، بينهما رضيعان، من اجتياز الحواجز العسكرية والأسلاك الشائكة... والتسلّل إلى نشرة الأخبار. لم يُدْلُوا بأي تعليق، إذ وقع الألم منهم قبل الوصول إلى الكلمة. ولم يبوحوا بأسمائهم من فرط ما هي فقيرة وعاديّة. ولم يرفعوا إشارات النصر أمام الكاميرا لازدحام الكاميرا بصُوَرٍ أكثرَ إثارة. الحرب إثارة، مسلسل يقضي فيه الفصلُ الجديدُ على الفصل السابق، ومذبحةٌ تنسخ مذبحة. وحين يصير القتل يومياً يصير عادياً ويتحول القتلى أرقاماً، ويصير الموت إلى روتين، ولا تتجاوز الحرارة درجة الثلاثين. الروتين يسبِّب الملل. والملل يبعد المشاهد عن الشاشة، ويحرم المراسل من العمل. وحين يقلُّ المشاهدون تنضب الإعلانات فتصاب صناعةُ الصورة بالكساد. يضاف إلى ذلك: أن مواقع غزة التصويرية صارت مألوفةً ضعيفةَ الإيحاء. سماءٌ رصاصيّةٌ على أزقة ضيقة في مخيمات لا تطل على البحر. لا مرتفعات هناك، ولا مَشَاهِدَ طبيعية تسرّ المُشَاهِد. كل شيء عادي القتل عادي والجنازة عادية والشوارع رمادية. أَمَّا ما هو غير عادي اليوم، فهو: أن يتمكن واحد وعشرون قتيلاً/ شهيداً من التسلّل الجريء، وبلا مرشدين، إلى نشرة الأخبار!.







البعوضة

البعوضة، ولا أعرف اسم مذكرها في اللغة، أَشدُّ فتكاً من النميمة. لا تكتفي بمصّ الدم، بل تزجُّ بك في معركة عبثية. ولا تزور إلاّ في الظلام كحُمَّى المتنبي. تَطِنُّ وتزُنُّ كطائرةٍ حربيّة لا تسمعها إلا بعد إصابة الهدف. دَمُكَ هو الهدف. تشعل الضوء لتراها فتختفي في ركن ما من الغرفة والوساوس، ثم تقف على الحائط... آمنةً مسالمةً كالمستسلمة. تحاول أن تقتلها بفردة حذائك، فتراوغك وتفلت وتعاود الظهور الشامت. تكرّر محاولتك وتفشل. تشتمها بصوت عال فلا تكترث. تفاوضها على هدنة بصوت ودّيّ: نامي لأنام! تظن أنك أَقْنَعْتَها فتطفئ النور وتنام. لكنها وقد امتصت المزيد من دمك تعاود الطنين إنذاراً بغارة جديدة. وتدفعك إلى معركة جانبية مع الأرق. تشعل الضوء ثانية وتقاومهما، هي والأرق، بالقراءة. لكن البعوضة تحط على الصفحة التي تقرؤها، فتفرح قائلاً في سرِّك: لقد وَقَعَتْ في الفخّ. وتطوي الكتاب عليها بقوة: قتلتُها... قتلتُها! وحين تفتح الكتاب لتزهو بانتصارك، لا تجد البعوضة، ولا تجد الكلمات. كتابك أَبيض. البعوضة، ولا أعرف اسم مذكرها في اللغة، ليست استعارةً ولا كنايةً ولا تَوْريةً. إنها حشرة تحبّ دمك. تشمُّه عن بعد عشرين ميلاً. ولا سبيل لك لمساومتها على هدنة غير وسيلة واحدة هي: أن تغيِّر فصيلة دمك!.


بقية حياة

إذا قيل لي: ستموتُ هنا في المساء
فماذا ستفعل في ما تبقَّى من الوقتِ؟
أنظرُ في ساعة اليد/
أشربُ كأسَ عصيرٍ،
وأَقضم تُفَّاحَةً،
وأطيلُ التأمُّلَ في نَمْلَةٍ وَجَدَتْ رزقها،
ثم أنظر في ساعة اليد/ِ
ما زال ثمَّة وقتٌ لأحلق ذقني
وأَغطس في الماء/ أهجس:
"لا بُدَّ من زينة للكتابة/
فليكن الثوبُ أزرق"/
أجْلِسُ حتى الظهيرة حيّاً إلى مكتبي
لا أرى أَثر اللون في الكلمات،
بياضٌ، بياضٌ، بياضٌ...
أُعِدُّ غدائي الأخير
أَصبُّ النبيذ بكأسين: لي
ولمن سوف يأتي بلا موعد،
ثم آخذ قَيْلُولَةً بين حُلْمَينْ/
لكنّ صوت شخيري سيوقظني...
ثم أَنظر في ساعة اليد:
ما زال ثمّةَ وَقْتٌ لأقرأ/
أقرأ فصلاً لدانتي ونصْفَ مُعَلَّقَةٍ
وأرى كيف تذهب مني حياتي
إلى الآخرين، ولا أتساءل عَمَّنْ
سيملأ نقصانها
ـ هكذا ؟
ـ هكذا ، هكذا
ـ ثم ماذا ؟
ـ أمشّط شَعْري، وأرمي القصيدة...
هذي القصيدة في سلة المهملات
وألبس أحدث قمصان إيطاليا،
وأُشَيّع نفسي بحاشيةٍ من كمنجات إسبانيا
ثم أمشي إلى المقبرةْ!

08/08/2006