يوميّات النيل

٢٨ يوليو ٢٠٠٦


التكسي نصّاب. ٢٠ ليتر بنزين ب١٥ جنيه، وبالسيّارة تبعو ما بيصرف تنكي بالجمعة، وبدّو ٣٠ جنيه من الزمالك للكورنيش.
الراديو في التاكسي يتحدّث عن عضلات عبد الناصر في وجه البريطانيين وأمجادها. تلك العضلات التي هجّرت المفكرين والمثقفين والأممييّن إلى السجون. تلك العضلات التي هُزمت في حربها ضد إسرائيل، ووقعت لاحقاً سلام، وخلقت نظام البلطجية تحت إمرة السادات ثم البلطجي الأوّل المبارك. البلطجي غير المبارك من شعبه.

في تمام الساعة الخامسة صباحاً، كانت شوارع القاهرة تشبه نفسها في وضح النهار، ولكن دون حرارة شمسها.
هذا الشعب لا ينام. ولو أردنا أن نتحدّث عن المدينة التي لا تنام، لن تكون نيويورك ولن تكون بالتأكيد بيروت، بل ستكون ال٢٠ مليون نسمة: القاهرة. لا تنام في الليل ولا تصحى في النهار.

هذه المدينة قهرت الظلم والجوع والحر والصحراء، لكنّها لم تقهر مبارك، لن تنام ولن تصحى.

ويبدو لي أن الطبقة العاملة في هذه المدينة تعتمد على مصدر رزق أساسي لا يدخل في موازنة الحكومة أو دراسات البنك الدولي (مكن أنه يدخل): البخشيش

في قهوة الفيشاوي، في خان الخليل، يتهاتف البائعون: الخرية ب٢٠ جنيه. وفي مطعم سمكمك، قام طفل بال١٦ بخدمة مميّزةك فتح باب الحمّام كي أدخل، ثم فتح لي حنفيّة الماء، ولو لم ألجمه لكان عصر لي صابوناً في يده. وثم أخذ بعض الفوط وحملها ريثما أنتهي، وبعد هذه المسرحيّة قام عادل الإمام يتبعني لأعطيه بخشيش، لكنّي لم أفعل. لم أعطيه بخشيش وشكرت ربّي أنّي لم أدخل الحمّام لغرض آخر. ممكن كان مصلّي ياه...

وفي الحسين أوقفنا سيّارة تاكسي، وبالطبع توقّف في وسط الطريق تحت مرأى شرطي. فشرّف الشرطي يخبط بيده على صندوق السيّارة ومدّ يده للسائق فناوله جنيه وتركنا الشرطي نذهب في سبيلنا.

ولكن بالطبع، فالقاهرة لا تخلو من الطيّبين. فتاكسي أخذنا من الأوتيل إلى الشغل ولم يأخذ منّا فلوس عندما عرف أننا لبنانيين. أكيد نكتة، صح؟ صح. عبّر عن حبّه لحسن نصرلله وطلب ١٠ جنيه لمسافة ٥٠٠ متر. والحق مش عليه، علينا لأنا كسلانين.